الزعيم ابيچل هميد وتأويل مصدر أموال أهل الشيخ ٱياه

 

بسم لله الرحمن الرحيم
لم أكن أرغب في إبداء الرأي بشأن القضية التي تصدرت مواضيع الساعة اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب الحرج الذي أشعر به في الكلام عن هذا الأمر نتيجة الروابط العائلية التي تربطني شخصيا بأسرة شيخنا الشيخ الطالب بوي. والآن وبعد أن أصبحت المشكلة شأناً من شؤون الدولة، أجد نفسي مضطراً إلى تقديم مساهمتي.
في البداية، أود التأكيد على أنه لا ينبغي بأي حال من الأحوال النظر إلى هذه القضية أو معالجتها من منظور قبلي أو إقليمي. فالذين أثاروا الموضوع لم يفعلوا ذلك باسم عائلة أو قبيلة، بل بصفة شخصية بحتة. وعلى الجانب الآخر، فإن الطالب بوي ولد الشيخ آياه ولد الشيخ الطالب بوي تصرف أيضا باسمه الشخصي بتقديمه شكوى لدى المحاكم. وهذا هو الطرح الذي سأتناول من خلاله الموضوع، لكن قبل ذلك أود أن ألقي بعض الضوء على عائلة الشيخ الطالب بوي ولد شيخنا الشيخ سعد بوه بدءا بذكر تسلسل الخلافة فيها:
الشيخ الطالب بوي : 1931 – 1964 ؛
الشيخ سيداتي : 1964 – 1987 ؛
الشيخ محمد ماء العينين : 1987 – 1991 ؛
الشيخ سعد بوه (شيخنا اطفيل) 1991 – 1997 ؛
الشيخ بونن : 1997 – 2016 ؛
الشيخ آياه : 2016 – 2022.
عند وفاة أخيه الأكبر الشيخ بونن، كان الشيخ آياه هو آخر أبناء الشيخ الطالب بوي على قيد الحياة، مما جعله يتولى الخلافة دون منازع. ولكن بعد وفاته برزت على السطح خلافات كانت طي الكتمان. وقد فشلت كل المساعي الحميدة والنوايا الحسنة العديدة الداعية لتجاوزها، بما في ذلك الجهود التي بذلتها الدولة، وخاصة رئيس الجمهورية من خلال لجنة يرأسها مستشاره للشؤون الإسلامية وتضم أعياناً مقربين من العائلة، وكنت عضوًا فيها. ولم تفض اللقاءات والمقابلات المتعددة التي أجريت مع عائلات مختلفة من نسب شيخنا الشيخ سعد بوه إلى أي تسوية. في غياب قرار متفق عليه بالإجماع وبناء على أن والدهم هو الخليفة الأخير، اعتبر أفراد عائلة الشيخ آياه أن الخلافة تبقى من حقهم. لكل من المنافسين الآخرين على الخلافة حجج يستند إليها، ولن أتطرق لتلك الجوانب لأن الأمر هنا يتعلق بأهل الشيخ آياه خصوصا.
يمكن القول إن تاريخ عائلة الشيخ سعد بوه متشابك مع تاريخ البلاد. في فترة الاستعمار، أقامت هذه العائلة علاقات مع سلطات المستعمر، كما يتضح من الرسالة التي بعثها الرئيس ليبرون إلى الشيخ سعد بوه يطلب منه المساعدة في تمكين الرعايا الفرنسيين من عبور السودان الفرنسي نحو السعودية. وقد طلب منه المستعمر كذلك التدخل لدى ملك كايور لات اديور انكوني، نظرا للعلاقات الروحية بينهما، من اجل تسهيل بناء السكة الحديدية بين سينلوي ودكار التي كان لات اديور يعارضها بشدة قائلا إن فرسه “مالاو” لن تشاهدها أبدا. وفي الحكايات الشعبية أن الفرس انتحرت عندما أرادوا إرغامها على رؤية السكة، ما ألهم أغنية شهيرة بالولفية “نياني بانيه”. وغداة الاستقلال، استمرت علاقات العائلة مع الرؤساء الأفارقة الجدد. في السنغال مثلا، واصل شيخنا الشيخ سيداتي، الابن الأكبر للشيخ الطالب بوي الاتصالات مع الرئيسين سينغور وعبدو اديوف، وواصل خلفاؤه بعد ذلك نفس العلاقة مع الرئيسين عبد الله واد وماكي سال.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه العائلة تقيم علاقات دينية وطيدة مع جزء كبير من غرب أفريقيا منذ الرحلة الأولى التي قام بها شيخنا الشيخ سعد بوه في المنطقة سنة 1872. وللعائلة ممثلون في عدة دول، لديّ قائمة بها، لا سيما في جل الولايات السنغالية وفي مالي وغينيا كوناكري وغينيا بيساو وساحل العاج الخ. ونجد تعبيرا قويا عن هذه الروابط في حدثين لهما رمزية عميقة، الأول أن الخليفة الثاني للطريقة المريدية الشيخ محمد فاضلو امباكي (1888 – 1968) يحمل اسم محمد فاضل أطلقه عليه الشيخ أحمدو بمب كشهادة احترام وتقدير روحي بينه وبين الشيخ سعد بوه ولد محمد فاضل. والحدث الثاني يتمثل في اللفتة البليغة التي قام بها سيدي عبد العزيز سي، الخليفة العام للطريقة التجانية بتيفاوان، في حفل توشيح جماعي مع وزير ما وراء البحار الفرنسي، عندما تخلى عن مكانه للشيخ الطالب بوي أمام الجمهور قائلا: لن أمر قبل نسل الرسول.
وتتجلى متانة العلاقات مع غرب أفريقيا من خلال الزيارة السنوية التي يؤديها آلاف الزوار لقرية النمجاط في نهاية كل شهر رمضان. وقد تأسس هذا الحج أيام شيخنا الشيخ الطالب بوي وتواصل بانتظام منذ 1949، ولم ينقطع حتى في العام 1989، على الرغم من التوترات آنذاك في علاقاتنا مع السنغال، البلد الذي يأتي منه غالبية زوار قبر شيخنا الشيخ سعد بوه.
إذا كنت أسهبت في الحديث عن هذه الجوانب المختلفة، فالأمر راجع إلى معرفتي الشخصية بالعائلة نتيجة صلة الرحم التي تربطني بها، ذلك أن الأبناء الكبار للشيخ الطالب بوي (الشيخ سيداتي والشيخ محمد ماء العينين والشيخ سعد بوه المعروف بالشيخ اطفيل)، وكلهم تولوا الخلافة، أمهم ياسين منت كوتيل وهي جدتي الكبرى؛ وكذلك، فإن أبناء بونن ولد الشيخ سعد بوه (سيد بوي واتقان والحضرمي) أمهم ديانا منت كوتيل، الأخت الصغيرة لياسين وهي بالتالي عمة لي؛ بالإضافة إلى ذلك، فإن سيداتي ولد محمد العاقب والدته نفيسة منت الشيخ سعد بوه ولديه أطفال من تمارا منت وديعة وهي جدتي أيضا. وإذا أضفت أن العائلات الثلاث المعنية تربطها علاقات زوجية مع باقي ذرية الشيخ سعد بوه، فسوف تدرك مدى قربي من العائلة ككل.
وهذا يعني أنني أعرف هذه العائلة جيدا وأعلم أنها كانت دائما مزدهرة مقارنة ببقية البلاد. وفيما يتعلق بأصل ثروة عائلة الشيخ آياه ولد الشيخ الطالب بوي، فإنني أشارك الموقف الذي عبر عنه الشيخ الطالب بوي ولد الشيخ آياه، إذ تقول قاعدة قانونية: “إن حرية الفرد تنتهي حيث تبدأ حرية الآخر”. الثروة مسألة شخصية ولا شيء يجبر صاحبها على تبريرها أو الكشف عن أصلها لأفراد مثله أو للعامة. فالدولة وحدها هي المخولة بالسؤال عنها ومعرفة مصدرها، أولاً للأغراض الضريبية، ثم لأسباب أمنية وأخلاقية.
وفي الختام، فإن دور الرقابة على الثروات لا يمكن أن يكون خارج مسؤولية الدولة. إن من يبحث عن أصل موارد عائلة شيخنا الشيخ سعد بوه كالباحث في السنغال، على سبيل المثال، عن أصل ثروة العائلات الدينية مثل عائلة المريدين في توبا أو عائلة مالك سي في تيفاوان أو عائلة نياسين في مدينة باي نياس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *