لا معارضة تُنافس، ولا أغلبية تَدعم (الجزء الثاني)!/ محمد الأمين ولد الفاضل

خصصنا الجزء الأول من هذا المقال لنقد المعارضة، وتحدثنا فيه عن عجزها وعن عدم قدرتها على أن تشكل منافسا محتملا وجديا للنظام في الانتخابات الرئاسية القادمة، وبينا في ذلك الجزء من المقال أن المعارضة لن تكون منافسة جدية في أي انتخابات رئاسية لمرشح النظام، ما لم تأخذ بجملة من الإجراءات التحضيرية أو التمهيدية للدخول في الانتخابات، ولعل من أبرز تلك الإجراءات :

1 ـ أن تبدأ مبكرا في التحضير الفعلي للانتخابات الرئاسية، وأي تحضير لا يبدأ في أسوأ الأحوال قبل عام من موعد تلك الانتخابات لا يمكن أن نُصَنَّفه في خانة التحضير المبكر؛

2 ـ أن تُشَكل لجنة عليا لصياغة المبادئ العامة للبرنامج الانتخابي للمرشح التوافقي للمعارضة؛

3 ـ أن يوكل لتلك اللجنة مهمة تحديد الصفات أو المواصفات التي يجب أن تتوفر في المرشح التوافقي للمعارضة؛

4 ـ بعد ذلك تبدأ اللجنة في استقبال ملفات المعارضين الراغبين في الترشح، وذلك لتختار من بينهم من تتوفر فيه أغلب صفات المرشح التوافقي المحددة سلفا ليكون هو المرشح التوافقي للمعارضة، أو على الأقل مرشحها الرئيسي الذي تلتف حوله أغلب الأحزاب والتشكيلات السياسية المعارضة؛

5 ـ لا بأس بوجود مرشحين ثانويين محسوبين على المعارضة، ويمكن لمن لم يُقبل ملفه أن يترشح، ولكن بصفته مرشحا ثانويا يعتمد على قدراته وإمكانياته الذاتية ـ لا على المعارضة ـ في تحصيل الأصوات.

اليوم تدخل المعارضة في منافسة انتخابية دون أن تأخذ بأي واحد من تلك الإجراءات التمهيدية أو التحضيرية، وهو ما يعني أنها لن تكون منافسا جديا في رئاسيات 2024، وإن كان من نصيحة يمكن أن نقدمها اليوم للمعارضة، فهي نصيحة قديمة جديدة، فيكفى المعارضة ما كررت من أخطاء سابقة، وعليها أن تركز جهودها مستقبلا خلال المأمورية القادمة على العمل من أجل تقوية المؤسسات الدستورية، وعليها أن تصنف ملف رئاسيات 2029 على أنه ملف استراتيجي للمعارضة يحتاج إلى تحضير مبكر جدا.

لا أغلبية تدعم

في الشطر الثاني من عنوان المقال (لا أغلبية تدعم) سنُوضحُ أن الأغلبية بشكلها الحالي عاجزة هي أيضا عن أداء دورها الرئيسي والأساسي، فهي عاجزة عن توفير ما يلزم من دعم سياسي وإعلامي لفخامة رئيس الجمهورية، وهذا العجز قد أشار إليه نائب رئيس حزب الإنصاف السيد يحيى ولد أحمد الوقف، وبشكل غير مباشر، خلال الزيارة الأخيرة لرئيس الجمهورية لمدينة نواذيبو، وذلك عندما قال حسب ما نشرته منصة “سكوب ميديا” : ” إن الحكومة أنجزت خلال السنوات الأخيرة الكثير من المشاريع الكبرى، لكنها لم تُحْظ بتسويق جيد لدى الرأي العام.”

فإذا كانت الحكومة قد أنجزت الكثير من المشاريع في السنوات الأخيرة، وإذا كانت تلك الإنجازات لم تحظ بتسويق جيد لدى الرأي العام، فمن هو المسؤول الأول عن هذا الفشل؟

هذا سؤال بسيط جدا، ويمكن أن يجيب عليه تلميذ في سنة أولى إعدادي حديث العهد بالاهتمام بالشأن العام. إن المسؤول الأول والأخير عن ذلك الفشل هو الأغلبية الداعمة للنظام بشكل عام، وحزب الإنصاف بشكل خاص.

إن الأغلبية الحالية ـ وعلى رأسها حزب الإنصاف ـ تعاني من عجز كبير، وعموما فإن الأغلبيات في موريتانيا تعودت على أن تقتات من الرصيد الشعبي للرئيس، ودون أن تضيف له شيئا، ولذا فكل “الأحزاب الحاكمة” تنهار مباشرة بعد أن يترك الرئيس الحكم، ولكم في الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي وحزب عادل خير مثالين يمكن تقديمهما في هذا المجال.

إن هذا النوع من الدعم الذي يقتات سياسيا على الرصيد الشعبي للرئيس، جعل الأغلبية تتحول من داعم للرئيس، إلى عبء ثقيل عليه، وحول بالتالي دعمها من دعم إيجابي إلى دعم سلبي.

إن دعم الأغلبية لن يكون إيجابيا إلا إذا احترم المنتمون لها الترتيب الآتي في تقديم الدعم .

أداء الواجب أولا

ونقصد بذلك أن يؤدي الداعم للنظام واجبه أولا، فإن كان موظفا حكوميا أدى واجبه الوظيفي أولا، وإن كان رجل أعمال مارس أنشطته التجارية دون نهب للمال العام، وإن كان منتخبا (بفتح الخاء) أدى واجبه اتجاه الناخب أولا، وهكذا..

فمثلا الطبيب الذي يؤدي واجبه على أحسن وجه، ويتعامل مع مرضاه برفق، فهو بذلك يؤدي أكبر دعاية سياسية يمكن أن يؤديها الطبيب لأي نظام حاكم، والأستاذ الذي يؤدي واجبه الوظيفي على أحسن وجه، ويدرس تلاميذه بجد فهو يؤدي بذلك أكبر دعاية سياسية يمكن أن يؤديها الأستاذ لأي نظام حاكم، والموظف في شركة المياه مثلا عندما يبذل ما يستطيع أن يبذل من جهد في سبيل توفير وصول الماء إلى المواطن في أحسن الظروف، فهو بذلك يؤدي أفضل دعاية للنظام، والمنتخب (بفتح الخاء) نائبا كان أو رئيس جهة أو عمدة عندما يكون قريبا من ناخبيه، يستمع إلى مشاكلهم، ويسعى بجد إلى حلها، فهو بذلك يقدم أفضل دعم للنظام، والقيام بهذا النوع من الدعم الإيجابي سيزيد حتما من الرصيد الشعبي للرئيس.

تقديم خدمة ذات نفع عام ثانيا

عندما يؤدي الداعم واجبه الوظيفي على أحسن وجه إن كان موظفا، وعندما يؤدي المنتخب (بفتح الخاء) ورجل الأعمال والوجيه مهامهم المنتظرة منهم أولا، ويبقى لديهم من بعد ذلك فائضٌ من الوقت أو المال يريدون إنفاقه في خدمة النظام، فهنا تأتي مرحلة المبادرات الداعمة للنظام، وهنا يجب أن نفرق بين المبادرات ذات النفع العام، والمبادرات ذات الضرر العام، والمبادرات عديمة الجدوى، ونقصد بهذه الأخيرة تلك المبادرات التي لا تنفع ولا تضر.

بالفعل هناك مبادرات ذات ضرر عام، وهناك مبادرات عديمة الجدوى، وهناك مبادرات ذات نفع عام، والأغلبية بحاجة ماسة اليوم إلى هذا الصنف الأخير من المبادرات، وبحاجة إلى أن تُطلق مبادرات من نوع آخر غير تلك المعروضة حاليا في سوق السياسة، مبادرات تحت شعار “داعمون إيجابيون”، فبدلا من أن يتجه المبادرون إلى قصر المؤتمرات لإلقاء الخطب المكررة، وأخذ الصور التي قد يظهر فيها نفس الأشخاص، فعليهم بدلا من ذلك إن أرادوا أن يكون دعمهم للرئيس دعما إيجابيا أن يتجهوا إلى الشوارع لينظفوها، أو إلى بعض المنشآت العمومية ليرمموا ما يستطيعون ترميمه من نوافذ وأبواب، أو يذهبوا إلى المدارس لتقديم دروس تقوية لأبناء الفقراء، أو يسيروا قوافل طبية للقرى أو الأرياف…إلخ

على كل داعم جدي، وعلى كل مبادر صادق، أن يخصص ساعة على الأقل من كل أسبوع للخدمة العامة، فينفق جزءا من وقته أو من ماله إن كان من أصحاب الأموال في عمل تطوعي يعود بالنفع على الوطن والمواطن، ويزيد بالتالي من شعبية الرئيس، فهذا هو الدعم الإيجابي، وهذا هو الدعم الذي ينفع الرئيس ويزيد من شعبيته.

إن الدعم الذي نُشاهده في أيامنا هذه يدخل في الأغلب في دائرة الدعم السلبي، فيمكن أن تجد الموظف الذي لا يؤدي واجبه الوظيفي، والذي قد يدفع بالكثير من المواطنين لأن يعارضوا النظام بسبب سوء تعامله معهم، قد تجد مثل ذلك الموظف في مبادرة تنظم نشاطا في قصر المؤتمرات يمتد لساعات، يقول فيها إنه داعم للرئيس، وقد فاته أن الظهور لساعة أو ساعتين في مبادرة داعمة للرئيس لن يعوض 1% من الأضرار التي جلبها للنظام وللرئيس من خلال سوء تعامله مع المواطن عندما يأتيه في مكتبه طالبا خدمة عمومية، أو من خلال ما ينهبه ذلك الموظف من مال عام.

للأسف الشديد، فإن أغلب داعمي الرئيس الذين يتسابقون اليوم للظهور في عشرات المبادرات، هم في حقيقة الأمر من أشد معارضيه، حتى وإن حاولوا التغطية على ذلك بمبادراتهم الداعمة. إنهم يعارضون الرئيس سرا بسوء أدائهم الوظيفي، وبنهبهم للمال العام، وبابتعادهم عن الناخب إن كانوا قد انتخبوا نوابا أو عمدا أو رؤساء مجالس جهوية.

صحيح أنه قد لا يظهر ضعف الأغلبية، وذلك بسبب ضعف المعارضة، وصحيح كذلك أنه قد لا يظهر ضعف المعارضة وذلك بسبب ضعف الأغلبية، فالأغلبية والمعارضة تعيشان اليوم ما يمكن أن نسميه “توازنا في الضعف”، وهذا التوازن في الضعف هو الذي جعل المعارضة غير قادرة على أن تنافس انتخابيا، وجعل الأغلبية غير قادرة على توفير دعم حقيقي للنظام، وتبقى بذلك عبئا سياسيا ثقيلا على الرئيس تقتات على رصيده الشعبي، ودون أن تضيف أي شيء لذلك الرصيد.
حفظ الله موريتانيا…
محمد الأمين الفاضل
Elvadel@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *